19
أكتوبر
19

“لا تعيّب بتلتقي” ..!


منذ وصولي إلى ألمانيا وأنا أحاول أن أتعايش مع قصص الحساسية التي يعاني منها الأشخاص هنا من مواد غذائية مختلفة، فهذا عنده عدم تحمل للاكتوز، فيتجنب منتجات الحليب والألبان .. وتلك لا تستطيع تقبل “الغلوتين” فتتجنب منتجات القمح ! والقائمة تطول فعلاً وتزداد غرابة لدرجة أنّي قابلت فتاة لا تستطيع أكل الفاكهة الإستوائية تحديداً وأخرى ربما تموت (على كلامها) إن تناولت حبة توت! طبعاً لا ننسى الحساسية للفول السوداني والبقوليات “الفوال” وهذا مهدد للحياة حتماً وغيره وغيراته .. اعتدنا أنا وسامح أن نسأل دوماً قبل عزيمة أحدهم : ما هي الأشياء التي لا تستطيع تناولها؟! في أحسن الأحوال يتضح أن الشخص نباتي ويتحسس نفسياً من منتجات اللحوم .. وهذا لا بأس به بالطبع وأستطيع فهمه بشكل ما، أنا التي قضت طفولتها تشمئز من اللحوم ولا تستطيع تناولها أو حتى شم رائحتها !
لكن .. لم أكن أبداً لأستطيع ابتلاع قصة الغلوتين والأشياء الأخرى التي لايوجد من ورائها تهديد فعلي للحياة .. كنت أعتبره مجرد “بتك” (وهذه الكلمة لن يهمها سوى أهل حلب) فأنا نشأت في مجتمع لا يعرف معنى “غلوتين” أصلاً ولا يتداول هذه الكلمة من الأساس .. وعندما يعاني أحدهم من وجع في أسفل بطنه يكتفي من حوله بهز رأسهم والقول ” مممم .. معك قولون عصبي” .. وعندما يتقيأ أو يصاب بالإسهال يقولون : ” مممم .. آخد برد هالمسكين” أو في أسوأ الأحوال : تؤ تؤ تؤ تسمم ! ” .. لذلك اعذروني عندما كنت أعتبر ذلك “بتكاً” ..إذ كنت أؤمن إيماناً قاطعاً- عدا قصة الفوال- بأن الإنسان يستطيع أكل الأخضر واليابس دونما حرج!
كان ذلك إلى قبل ثلاثة شهور ..(وهنا تبدأ قصتي الحزينة) .. منذ ثلاثة شهور أصبت فجأة بحالة غريبة لا تصيبني عادةً.. حالة متدرجة   من ألم المعدة الغريب الذي يشتد ويشتد ليصبح لا يطاق ولا يهدأ ولايحتمل ثم يبدأ بعد ساعات التقيؤ المستمر الذي يزيد الألم سوءاً  وشدة ! في البدء حسبت الأمر لا يتعدى قصة البرد المعتادة وخصوصاً أنّي استيقظت في اليوم التالي لا أعاني من أية أعراض ولكأن اليوم السابق نسياً منسياً ! لكن بعد أسبوع تكرر الأمر بشكل سيء لدرجة أنّي أُسعفت للمشفى .. الألم غير طبيعي ولا يطاق والتقيؤ مستمر دونما فائدة مع شعور عام بالاشمئزاز وعدم الراحة .. في المشفى قاموا بفحص سريع لم ينتج عن شيء واكتفوا بإعطائي دواءاً مسكناً ! تكرر الأمر مرة ثالثة ورابعة على فترات متقاربة وهنا كان الوقت قد حان لاستشارة طبيبة الأسرة لأن الأمر قد أصبح مزعجاً حقاً ويشكل كابوساً بالنسبة لي .. بعد عدة فحوصات متأنية وتحاليل دم خرجت الطبيبة بنتيجة  أن ما أعانيه قطعاً ليس التهاب وقطعاً ليس تسمم و .. لا تعرف ماالسبب ! سألتني عن قائمة الطعام التي تناولتها في تلك الأيام تحديداً ولم نخرج بشيء مشترك  إلا أنّي ذكرت لها أنّي قد تناولت العسل على الإفطار في تلك الأيام (تذكرت ذلك لأني في المرات الأربعة كان عندي شعور اشمئزاز من العسل !) ، ابتسمت الطبيبة وقتها وقالت لي أنه لا توجد حالات حساسية للعسل حتماً ولم تعاين في حياتها هكذا أمر !
أنا لا أحب العسل عادةً ولكني أتناوله في فترات متقطعة جداً على سبيل التغيير .. وبالطبع قبل تلك المشكلة لم يكن يسبب لي أي ضرر .. منذ يومين فعلت شيئاً على سبيل التجربة العلمية .. لقد جلبت قطرميز العسل من المطبخ وأزحت الغطاء بكل شجاعة وتناولت نصف ملعقة صغيرة ! بعد أربع ساعات بدأت أوجاع المعدة الغريبة نفسها يتبعها القيء المستمر والاشمئزاز والشعور بأني على حافة الموت .. في هذا اليوم كان هناك معاناة إضافية وهي لوم سامح لي على هذه الفعلة الشنيعة .. كيف أتجرأ وأفعل ذلك !!

 لا أعرف التفسير العلمي لهذه الحالة، لكن قد صرت للأسف من هؤلاء الأشخاص الذين يتحذلقون ويقولون لمضيفيهم قبل الزيارة أنهم لا يأكلون العسل .. من الأشخاص الذين يقرأون المكونات الغذائية لكل منتج ويولون أدنى انتباه لكل عنصر .. لقد أصبحت ما كنت أسخر منه وأخشاه !
وكما يقول المثل الشعبي : لا تعيب بتلتقي .. ولو كتك شيخ تقي !


2 الردود to ““لا تعيّب بتلتقي” ..!”


  1. 1 غير معروف
    2022/06/30 عند 2:54 مساءً

    ماما شامية قح وماحدا منا بياخد هالقصص جد “متلكن” بس كمان العسل بيعمل معها متلك وبس يلمس جلدها من برا بيحرقو حرق
    سلامة قلبك وضلي اتذكري انو في عالاقل شخص واحد عالكوكب متلك ❤️


أضف تعليق


أقسام المدونة

عدد الزيارات

  • 27٬327 زيارة جميلة =)

إن كنت مهتماً بما أكتبه , يمكنك أن تسجل عنوان بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد =)

انضم مع 31 مشترك