23
جوان
19

درج كهربائي ..


يومٌ طويل قد كان، خرجنا فيه صباحاً للتسوق ما بين سوق المدينة المحلي ومركز التسوق الكبير “دوسلدورف أركادين” .. المركز كبير حقاً ويحتوي على عدة طوابق كما كل أماكن التبضع في المدن الكبيرة هاهنا ..في كل زاوية يوجد مركز تسوق ما مليء بالمحلات التجارية وعلى المرء أن يبقى مطلعاً على كل العروض والماركات..عليه أنه يصبح “مستهلكاً” جداً !
في زحمة الألوان والجنسيات، كانت واقفة على قمة الدرج الكهربائي .. طولها لا يتجاوز نصف طولي وأصابعها الصغيرة تلوح لأحد ما في الأسفل البعيد لكي يلحق بها .. لم أهتم حقاً ما كان الأمر .. كانت ترتدي فستاناً طفولياً طوله يتجاوز الركبة بقليل وتحته بنطالاً من القطن .. وعلى رأسها يرقد حجاب قطني ذو قطعتين تحاول قطعته الأولى التشبث جيداً بجبينها محاولة جاهدة ألا تنزلق فتغطي عينيها.. أمّا القطعة الثانية فكانت تغطي الكتفين! كانت تضحك بجذل ! لها أجمل وجه طفولي رأيته منذ زمن بعيد .. وعيناها! عيناها الضاحكتان التفتتا إلي تدعوني لمشاركتها الضحك والتندر ضمنياً على هؤلاء في الأسفل .. هؤلاء الذين لا يريدون صعود الدرج الكهربائي !
أمور كثيرة احتشدت في رأسي معاً في تلك اللحظة الخاطفة من الزمن .. هذه الطفلة الرائعة تذهب إلى المدرسة ( أو إلى الروضة لا أعرف) بفستان يصل للركبة مع بنطال قطني .. هذه الفتاة الجذلة لا تستطيع عمل جدائل صباحاً مع ربطة شعر جديدة تريها لأصدقائها في المدرسة .. الطفلة الضاحكة تلك ستكبر يوماً هنا في ألمانيا ويكبر اختلافها معها ومشاكلها وأفكارها وهمومها .. لكن هل ستكبر ضحكتها يا ترى ؟ أشك كثيراً في هذا بل وأخشى الجواب .. يا إلهي إني أخشى أن ألقي نظرة على الدرج الكهربائي وما يحمله هذا الدرج !
الطفلة تضحك في وجهي، ثم تمر تلك اللحظة الخاطفة بما تحمله .. تلك العيون تشيح نظرها عني لتبحث عن وجه آخر ليتواطئ معها في الضحك .. وأنا أمشي متجهمة ومدركة لحقيقة مروعة قد حدثت الآن : لم أستطع الابتسام في وجه طفلة !

هديل خلّوف

٢٢ حزيران ٢٠١٩


0 الردود to “درج كهربائي ..”



  1. اكتب تعليقُا

أضف تعليق


أقسام المدونة

عدد الزيارات

  • 27٬327 زيارة جميلة =)

إن كنت مهتماً بما أكتبه , يمكنك أن تسجل عنوان بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد =)

انضم مع 31 مشترك