30
أفريل
10

لقاء غريبين ..


وقف على الجسر الممتد فوق بحيرة مشيغان واضعاً يديه في جيوب معطفه السميك متأملاً انحدار الشمس التي بقي من حياتها دقائق معدودة …
وقفت على الجسر الممتد فوق بحيرة  مشيغان مستندة على مرفقيها وواضعة رأسها بين قفازين من الجلد متأملة أسراب الطيور التي تشق قرص الشمس …
تمتم بصوت استطاعت سماعه : يا إلهي … لا أستطيع تحمل كل هذا الجمال ….
قال هذا بالعربية …
تنهدت و التفتت إليه لترى شاباً أفصح لون بشرته و عينيه على أنه من بلاد الشام .. من موطنها ..
أعادت النظر إلى المشهد الذي صار أكثر إجلالاً من ذي قبل و اغرورقت عيناها بالدموع .. و تمتمت بعد برهة : لماذا وجد الموت ؟ أرثي لحال الشمس .. أرثي للونها الدامي ..
التفت بدوره إذ أدهشته اللغة العربية التي تقول أنها من بلاد الشام .. من موطنه …
– إن الشمس كما كل الأشياء الجميلة في هذا العالم .. لا تعيش طويلاً ..
– و المصيبة أن موتها يتكرر يومياً ..
– و نحن لم نعتد بعد على هذا ..
– أتعرف ؟ .. يخيل لي أحياناً أن شمس أمريكا ليست ذات شمس بلادنا .. هي جميلة نعم … لكن شمسنا أحلى ..
– إننا في الغربة هكذا .. نتحسر على شمس بلادنا الحارقة .. و على باصاتها المزدحمة ..
– نعم .. في الغربة .. تصبح ثرثرة جارتنا في بيتنا القديم شيئاً محبباً بل أتمنى أن أعود و أسمع ثرثرتها مجدداً و مجدداً ..
– حتى البائع الجوال بصوته الجهوري المزعج صرت أفتقده ..
ضحك و ضحكت … الآن صارا يريان أضواء شيكاغو بكل وضوح …
ضمت معطفها على جسدها و قالت : يا إلهي لقد أصبح الطقس بارداً جداً ..!
– ليس أبرد من الموت ..
– من المحزن حقاً أننا سنموت في النهاية , أحياناً أقول في نفسي : إذا كانت أحلامنا و ضحكاتنا و أفكارنا ستزول بزوالنا .. بربك فما قيمة الحياة التي نحياها ؟
– و لكن الحياة مغامرة و مقامرة تستحق أن نحاول العيش فيها و من يرفض المحاولة ضعيف ..
– المصيبة أننا لا نختار مولدنا .. نحنا جئنا إلى هذه الحياة مجبرين .. لم يأخذ أحد رأينا !
ضحك .. و قال لها : صه .. أنت تكفرين بنعمة كبيرة يا فتاة ..
ابتسمت مجاملة و قالت : من عاش حياة كحياتي جدير بأن يقول هذا ..
– بالمناسبة أنا اسمي بـ ….
قاطعته بإشارة من يدها على فمها لئلا يتابع و قالت : أرجوك .. لا تقل لي اسمك ..
– و لماذا ؟؟!
– ليكن لقائنا هذا لقاء غريبين في بلد غريب .. لقاء أفكار و أشجان .. لا أريد أن يزداد عدد معارفي واحداً ..
– حسنٌ … ليكن .. و لكن هل تعديني بأن تأتي غداً إلى نفس هذا المكان ؟
– قلت ليكن لقائنا لقاء غريبين .. إن جئت غداً و بعد غد لن يكون كذلك ..
-as u like
– ok then … bye
– bye..
أنزلت قبعتها أكثر لتغطي أذنيها و تابعت طريقها .. و نظرت إلى الساعة .. لقد حان موعد جلسة العلاج الكيميائي الأولى .. “كم أن السرطان مرض عنيد” !
أما هو .. قلب ياقة معطفه ناشداً الدفء أكثر .. و تذكر أن عليه الذهاب  إلى مكتب المحامي لينتهي بسرعة من إجراءات الطلاق .. لقد جعلت “كارلا” حياته لا تطاق !

هديل خلوف ..

9-1-2010


1 ردّ to “لقاء غريبين ..”


  1. 1 Haifaa
    2010/04/30 عند 7:26 مساءً

    حلو حتييرفكرة جديدةوطرحها رائعفعلا حتى ونحن ببلادنا تمر علينا اوقات نشعر فيها بكل معاني الغربةسلمت يداكِ


أضف تعليق


أقسام المدونة

عدد الزيارات

  • 27٬327 زيارة جميلة =)

إن كنت مهتماً بما أكتبه , يمكنك أن تسجل عنوان بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد =)

انضم مع 31 مشترك