07
فيفري
17

“في حارتنا “جب! 


​في حارتنا جب ..

جميع الأنظار تتجه إلى هناك .. الكبار والصغار .. أشقياء الحارة وعقلائها .. جميعهم يقف رافعو الرؤوس .. شادهو الأبصار .. في مشهد احترت هل يبدو سيريالياً أم كوميدياً بحتاً جديراً بقنواتنا التلفزيونية المحلية ..

والوحش لا يهدأ .. يرتفع إلى الأعلى فترتفع معه الرؤوس والأبصار ، ثم يترك نفسه في سقوط حر إلى غياهب الأرض فيطلق أحد الصبيان – ذاك الذي كان يضع إصبعه في منخره قبل قليل- شهقة تعبر عن مفاجئته واستمتاعه بمشاهدة كل هذا معاً ! 

وحول كل هذا بحيرة طينية كبيرة جديرة ببقعة جغرافية ما من العالم غير هنا .. من الصعب حقاً أن تتخيل يوماً أن ترى في حارتك مستنقعاً طينياً يسبح فيه مجموعة من الخنازير الوردية في جذل .. أو أو يمد بين الفينة والأخرى فرس النهر رأسه ثم يتثاءب في رضا .. هذا عداك عن التماسيح التي تجول هنا وهناك ! أو .. لا لا .. أظن أنّي قد خلطت بين ما تخيلته بينما كنت واقفة هناك وما بين ما كان يحدث حقاً .. !

والوحش يتابع عمله .. ويستكشف أكثر وأكثر في غياهب الأرض الجافة .. والصبيان الأشقياء لا يملون المشهد .. وكبارية الحارة يجلسون على كراسيهم أمام دكاكينهم الصغيرة أو “بالمعيّة” مع جيرانهم ممن يمتلكون دكاكين صغيرة .. وأنا يتسخ حذائي كل يوم بالطين !

قريباً سيحقق هذا الوحش إنجازاً أسطورياً .. سوف يزعق أن وجدتها وجدتها ! وسوف تنساب المياه المالحة في عروق الأرض (الخراطيم البلاستيكية) لتغذي المنازل المتهالكة .. مياه غنية بشوارد الكالسيوم والمغنزيوم والصوديوم بل وربما الرصاص والذهب أيضاً ! فمن يدري ؟

البعض سيشرب هذه المياه التي تحمل ألف قصة وقصة .. سيدع رفات مئات بل عشرات بل ملايين الأحياء تندمج مع أنسجته الحيّة في صمت .. والبعض سيكتفي باستخدام هذه المياه البيضاء الصلبة في تلميع الأثاث وغسل الأرضيات وفرك أصابعه بالصابون الذي أعرض عن صنع الرغوة .. وسيهرع إلى استخدام مدخراته الثمينة ليحصل على مياه مدللة مصبوبة في قناني بلاستيكية!

على أيّة حال لا يمكننا إلا بالشعور بالامتنان لهذا الوحش العزيز .. والبركة الطينية .. والحفرة السحيقة على الرصيف والتي يقبع في داخلها ألف مارد وجنيّة .. إذ أيّها السادة .. لقد أصبح في حارتنا “جبّ” ! 

هديل خلّوف
07/02/2016


0 الردود to ““في حارتنا “جب! ”



  1. اكتب تعليقُا

أضف تعليق


أقسام المدونة

عدد الزيارات

  • 27٬307 زيارة جميلة =)

إن كنت مهتماً بما أكتبه , يمكنك أن تسجل عنوان بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد =)

انضم مع 31 مشترك