06
ديسمبر
11

تلك التفاصيل الصغيرة .. وإشكالية الواقع !


أسدلت الستائر وأشعلت الموسيقا تلك .. اختارت أكثر الأوراق رقةً وقابلية للبوح .. غلّفتها بنثرات عطرية تشبهها .. استلّت القلم .. جلست إلى مكتبتها وأخذت نفساً عميقاً .. اليوم هي ستكف عن أن تكون أُخرى .. ستنزع القناع وتدوسه بقدميها ثم سترميه بعيداً .. اليوم ستسمح لنفسها بأن تكون ساذجة .. مجنونة .. موهومة ربما .. هي فقط تريد لحظة صدق .. هي ستثبت له أنّها أكثر شجاعة .. أكثر شفافية ..

بدأت بمعابثة الورقة قائلةً : ” إلى .. (لن أقول صديقي هذه المرة ).. إلى .. إلى .. إليك .. هكذا حالياً :

 بينما أحاول استحضار الكلمات , تتجسد أمامي أشياءٌ كثيرة من تفاصيلك الصغيرة .. لن أسألك الأسئلة المعتادة عن أحوالك .. لن أبدأ بالحديث عن تلك الأشياء السخيفة التي اعتدت أن أخفي من خلالها اضطراب روحي .. لن أتظاهر .. سأحدثك عن تفاصيلك الصغيرة التي طاردتني فأتعبتني .. عن صوتك الصبياني الساخر .. عن نظرتك الحاسمة التي لطالما حيّرتني .. سأحدثك عن مراقبتي لك وأنت تقطع الشارع .. وأنت تتحدث مع أصدقائك .. وأنت تسوّي خصلات شعرك الثائرة مع الريح .. سأحدثك يا سيدي عن “أنا ” في حضرتك .. عن اضطرابي ,اضطراب عبدٍ ساذج يقف أمام صنمه قريباً جداً .. عن شرودي اللإرادي والإرادي الذي لا يطيب إلا على إيقاعات كلماتك .. سأحدثك عن تلك الابتسامات التي تفلت منّي في الباص وعلى الطريق وأمام صديقاتي كلّما زار طيفك خلاياي العصبية .. عن المحاولات البلهاء لتقليد ملامح وجهك ونبرة صوتك في الحديث كلما انفردت في غرفتي .. سأحدثك عن عذابي الأبدي في جهنم ذكراك .. كلما احترقت صار لي قلبٌ جديد لا يلبث أن يحترق مجدداً ..

كيف أنت الآن ؟ هل لازلت ترفع رأسك لأعلى كلما أردت التأكيد على جملة أثناء الكلام ؟ هل لازلت تكرر المقاطع كثيراً كثيراً كثيراً ؟ هل مازال ذاك السحر الصبياني العابث يتراءى في أحاديثك وملامح وجهك عندما تنفعل فيعيدك مراهقاً في السابعة عشرة ؟ لن أحدثك عن حالي الآن .. فأنا يانسمتي الصيفية الخافتة لا أزال لليوم أستحضرك كلمة كلمة وتفصيلاً تفصيلاً .. أستعرض حركات يديك وحنقك الجميل عندما كنت أقاطعك أثناء الكلام فيطيب لي فأقاطعك أكثر وأكثر .. أستعرض عطرك الذي يأسرني فيك أكثر كلما لامس هوائي المحيط صدفةً .. أستعرض محاولاتك الخبيثة لتبقى قربي في لقائنا الأول .. لتبقى قربي جداً في سيرنا وجلوسنا .. فأضحك .. أنا الآن أضحك ! .. هل تذكر تلك الشجرة ؟ وتلك الغيمات ؟ والهواء الرطب المنعش ؟ هل تذكر كل ذلك ؟ أما أنا فأذكر كل تلك التفاصيل .. أذكر كل وجهٍ مر بنا وكل كرسي .. أذكر حماقتي واضطرابي ومحاولاتنا اليائسة ليخفي كلاً منا خوفه ورهبته ..

 لقد كنت لغزي الخاص , أسطورتي السريّة , معذبي عن طيب خاطر منّي .. شمّاعتي التي أعلق عليها كل كبريائي وطموحاتي وجنوني .. لقد كنت بطلي أيضاً .. إذاً ماذا أقول لك الآن ؟ ماذا أقول ؟ .. سأتجرأ على قولها ..

هذه الرسالة إليك .. حبيبي .. فأنا .. أ ح ب ك ! . ”

بعد أن أنهت الكتابة فردت الورقة وقرأتها ثانيةً .. أُصيبت بالهول لفظاعة ما وجدته .. هذه الرسالة قد عرّت الحقيقة أمامها .. الضوء قوي باهر يكاد أن يعميها .. ربّااااه ما هذا ؟؟ ..

 أمسكتها بكلتا يديها ومزقتها عن بكرة أبيها .. نهشتها.. سحقتها ونثرتها مع العطر في أنحاء الغرفة .. استلّت ورقة من جديد وخطت فيها :

 ” إلى صديقي .. كيف حالك ؟ أتمنى أن تكون بأفضل حال .. أبعث إليك برسالتي هذه لأطمئنك عن كل شيء .. الشمس لا تزال تشرق والعصافير تزقزق صباحاً وكل شيء تمام .. هكذا تجد أن لا شيء قد تغير .. لا شيء .. “

 !

 غمغمت برضا وطوّت الرسالة وأرسلتها .. هكذا لن تتغير نواميس الكون ولن تتعرض للخيبة .. وحبيبها السري سيبقى حبيبها السري الذي تتحدث معه في خيالاتها وتطارد تفاصيله الصغيرة .. إلى متى ؟ لا تعلم حقاً ..


1 ردّ to “تلك التفاصيل الصغيرة .. وإشكالية الواقع !”


  1. 1 Dina
    2012/11/04 عند 11:42 صباحًا

    Amazing!! It happened to me once, I even wrote in my journal as if talking to him. but I don’t love him, we didn’t even get the chance to become friends and talk, so, I don’t do that anymore. but I hope that soon enough I’ll meet someone, but then, I’ll write the letter and send it without reading it first. or can I?? I’ll wish for courage too! lol


أضف تعليق


أقسام المدونة

عدد الزيارات

  • 27٬327 زيارة جميلة =)

إن كنت مهتماً بما أكتبه , يمكنك أن تسجل عنوان بريدك الإلكتروني ليصلك كل جديد =)

انضم مع 31 مشترك